فصل: فصل في حكم فاسد النكاح وما يتعلق به:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في حكم فاسد النكاح وما يتعلق به:

من إلحاق الولد تارة ونفيه أخرى، وهل يفسخ أو يتلافى إلى غير ذلك.
وَفَاسِدُ النِّكاحِ مَهْمَا وَقَعَا ** فالفَسْخُ فِيهِ أو تَلاَفٍ شُرِعا

(وفاسد النكاح) مبتدأ ومضاف إليه من إضافة الصفة للموصوف (مهما) اسم شرط (وقعا) فعل الشرط وألفه للإطلاق (فالفسخ) مبتدأ وفاؤه رابطة بين الشرط وجوابه (فيه) يتعلق بشرعاً آخر البيت (أو تلاف) معطوف على الفسخ (شرعاً) بالبناء للمفعول خبر عن الفسخ وألفه للتثنية، والجملة جواب الشرط، والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول، ومعناه أن النكاح إذا وقع فاسداً فإنه يرجع فيه إلى أحد أمرين، إما الفسخ أو التلافي وهو التدارك ثم بين محل كل منهما فقال:
فَما فَسَادُهُ يَخُصُّ عَقْدَهُ ** فَفَسْخُهُ قَبْلَ البِنَا وَبَعْدَهُ

(فما) موصول مبتدأ والفاء جواب شرط مقدر أي إن أردت معرفة ما يفسخ أو يتلافى فما (فساده) مبتدأ ثان (يخص) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير الفساد (عقده) مفعول بيخص والجملة خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره صلة ما والضمير في فساده وعقده يعود على النكاح (ففسخه) مبتدأ (قبل البنا) ء خبره (وبعده) معطوف عليه، والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول الذي هو ما ودخلت الفاء في هذا الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم الإبهام، والمعنى أن النكاح إذا وقع فاسداً لعقده كالنكاح لأجل ونكاح الخامسة أو ذات محرم بنسب أو رضاع أو صهر وإنكاح المحرم والعبد والمرأة وصريح الشغار وإنكاح غير المجبر مع وجود المجبر ونكاح المريض وتزويج الرجل عبده من امرأة على أن العبد هو صداقها ونحو ذلك، فإنه يفسخ قبل البناء وبعده، ثم إذا فسخ قبل البناء فلا شيء فيه، وإن فسخ بعد البناء ففيه المسمى إن كان وإلاَّ فصداق المثل ثم ما كان متفقاً على فساده من ذلك كنكاح الخامسة، وذات محرم يفسخ بلا طلاق كما سيشير له قبل باب النفقات بقوله:
وفسخ ما الفساد فيه مجمع ** عليه من غير طلاق يقع

ويفهم منه أنه لا يحتاج لحكم وهو كذلك لأنه مفسوخ شرعاً، ولذا لو عقد عليها شخص قبل الفسخ صح نكاحه لأن العقد الأول كالعدم ولا يمضي فيه الخلع وإن وقع، وما كان من ذلك مختلفاً فيه اختلافاً قوياً ولو خارج المذهب كإنكاح المحرم والشغار وإنكاح العبد والمرأة فالفسخ بطلاق كما سيشير له الناظم أيضاً بقوله:
وفسخ فاسد بلا وفاق ** بطلقة تعد في الطلاق

ومن يمت قبل وقوع الفسخ ** في ذا فما لإرثه من نسخ

إلخ.
ويمضي فيه الخلع إن وقع، وأشار (خ) لهذا التقسيم بقوله: وفسخ مطلقاً أي قبل الدخول وبعده كالنكاح لأجل أو إن مضى شهر فأنا أتزوجك إلخ. أي: وقصدا بذلك انبرام العقد ولم يأتنفا غيره، ثم قال: وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغار والتحريم بعقده ووطئه وفيه الإرث إلاَّ نكاح المريض لا إن اتفق على فساده فلا طلاق ولا إرث كخامسة وحرم وطؤه فقط وما فسخ بعده فالمسمى وإلا فصداق المثل إلخ. وظاهر النظم أن كل فاسد لعقده يجري فيه الحكم المذكور لأن ما مر من قوله فما فساده إلخ. من ألفاظ العموم وليس كذلك لأن من الفاسد لعقده ما يثبت بعد بمهر المثل كما يأتي في البيت بعده.
تنبيهان:
الأول: إذا علمت المرأة بموجب الفسخ كمحرم ومعتدة تزوجت في عدتها عالمة كل منهما بالحرمة والزوج غير عالم بذلك، فللزوج الرجوع بالصداق وإن لم يعثر على ذلك حتى دخل انظر (ز) في خيار الزوجين و(ح) في التدليس بالعيوب في المبيع.
الثاني: قول (خ) إن مضى شهر فأنا أتزوجك إلخ. هو من تعليق النكاح والتعليق فيه لا يصح ولذا قال القائل:
لا يقبل التعليق بيع ونكاح ** فلا يصح بعت ذا إن جاء فلاح

وفي الشامل ما نصه مالك: وإن قال إن جئتني بخمسين فقد زوجتك ابنتي لا يعجبني ولا تزوج له. اهـ. وكذا إن قال: إن عبرت الوادي أو صعدت على قنة الجبل فقد أعطيتك ابنتي فإنه لا يصح أيضاً بالأحرى مما قبله إذ لا منفعة للقائل في عبر الوادي ولا في صعود الجبل فإن قال له: إن فارقت امرأتك فقد زوجتك ابنتي فإنه يجوز وينعقد بنفس الفراق فإن قال: فأنا أزوجك بالمضارع فلا يجبر على تزويجها منه قال في الشامل: والقياس جبره لأنه وعد أدخله بسببه في فراق زوجته كما لو قال: بع فرسك منه والثمن علي. اهـ. ولما نقل في الالتزامات قول أشهب بعدم الجبر قال: وهو مبني على أن العدة لا يقضي بها ولو كانت على سبب ودخل في السبب، والثاني مبني على أنه يقضي بها إن كانت على سبب ودخل فيه أي: وهو المشهور وفي أنكحة المعيار من قال لغيره: طلق امرأتك وأزوجك ابنتي فطلقها فأبى من تزويجها إياه أن يلزمه أحد أمرين: إما التزويج أو إعطاء الصداق وأعادها أيضاً في نوازل الطلاق، وانظر الأنكحة من القلشاني وفي الالتزامات بعد ما مر بأوراق في رجل أراد السفر إلى الحج مع أمه فقال له عمه: اترك السفر مع أمك وأزوجك ابنتي وأعطيك عشرة مثاقيل فترك السفر مع أمه، ثم قام بعد أشهر يطلب العدة فقال ابن الحاج: إنه يحكم على عمه بدفع العشرة مثاقيل وينكحه ابنته إلا أن يكون قد عقد نكاحها مع أحد فلا يحل النكاح، وذلك لأنها عدة قارنها سبب، وبذلك أفتى ابن رشد أيضاً اه فقال (ح) عقبه ففهم منه أن من التزم لشخص أن يزوجه مجبورته فإنه يقضي عليه به إلا أن يعقد نكاحها لغيره فإنه لا يفسخ. اهـ.
قلت: وتأمل هذا مع ما في أجوبته للقوري نحو الكراسين في رجل قال لآخر: إن أتيتني بكذا من موضع كذا، والموضع مخوف أعطيتك ابنتي أن النكاح غير لازم، واستدل له بما في العتبية فيمن وقع له صبي في جب فقال لرجل: إن أخرجته فقد زوجتك ابنتي فأخرجه فقال ابن القاسم: إن ذلك لا يجوز ولا يكون فيه النكاح، وأرى له أجرة مثله في إخراجه إياه حياً أو ميتاً. اهـ. فهذا قد عبر بالماضي وأدخله في السبب، ومع ذلك لم يلزمه إياه فهو معارض بحسب الظاهر لمسألة إن فارقت امرأتك فقد زوجتك ابنتي، وقد تقدم الجزم فيها باللزوم بنفس الفراق، وقد علمت أنه لا عدة فيهما لتعبيره بالماضي فيهما، وفي أنكحة المعيار أن من قال: من ركب فرسي فهي بابنته لا يلزمه نكاح وأخذت من قوله: إن جاء غداً فقد راجعتك فلا تكون رجعة، وانظر أنكحة العلمي فيمن قال: إن وُلد لك ولد فله ابنتي، وانظر إذا قلنا بلزوم النكاح في ذلك ما قدر الصداق، والظاهر أنه كنكاح التفويض إن فرض المثل لزمه وإلاَّ فلا، وانظر ما يأتي عند قوله: ويفسد النكاح بالإمتاع إلخ.
ومَا فَسادُهُ مِنَ الصَّداقِ ** فَهُوَ بمَهْرِ المِثْلِ بَعْدُ باقِي

(وما) موصول مبتدأ (فساده) مبتدأ ثان (من الصداق) خبر عن الثاني، والجملة صلة ما (فهو) مبتدأ (بمهر المثل بعد) يتعلقان بالخبر الذي هو (باق). والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول والمعنى أن النكاح الفاسد لصداقه كما لو أصدقها خمراً أو خنزيراً أو حراً أو عبداً آبقاً أو بعيراً شارداً أو جلد ميتة أو زيتاً متنجساً، ونحو ذلك مما لا يصح بيعه فإنه يفسخ قبله وجوباً ويثبت بعده بمهر المثل لأن الصداق كالثمن فما صح كونه ثمناً صح كونه صداقاً، وما لا فلا (خ): الصداق كالثمن ثم قال: وفسد إن نقص عن ربع دينار أو ثلاثة دراهم إلى أن قال: أو بما لا يملك كخمر وحر أو بإسقاطه أو كقصاص أو آبق إلخ. وقوله: أو كقصاص يعني لم يجعلا شيئاً في مقابلة البضع إلا سقوط القصاص عنها أو عن غيرها. ثم إنه يلحق بما فسد لصداقه في كونه يثبت بعد بصداق المثل أمور فاسدة لعقدها أشار لها (خ) بقوله وقبل الدخول وجوباً على أن لا يأتيه إلا نهاراً أو بخيار لأحدهما أو غير أو على إن لم يأت بالصداق لكذا فلا نكاح وما فسد لصداقه أو على شرط يناقض المقصود كان لا يقسم لها إلخ. وفهم من قوله بعد: إنه يفسخ قبله ولا شيء فيه، وكذا إن مات أحدهما قبل الفسخ كما لابن رشد في أجوبته.
تنبيهان:
الأول: ذكر البرزلي عن أبي عمران أن من الفاسد لصداقه كما بالقيروان من جرت عادتهم برد النقد للزوج بعد الغيبة عليه لأنه نكاح وسلف لأن العادة كالشرط فيفسخ قبل، ويثبت بعد بصداق المثل كأن اشترط الرد ولم يغب عليه كان النكاح صحيحاً. البرزلي: هذا إن كانت عادة لا تتخلف أو وقع الشرط فالحكم ما ذكر، وأما لو كانت تتخلف وفي الناس من يرد ومن لا يرد فيجوز الرد قبل الغيبة وبعدها إذ ليس بشرط لاختلاف العادة. اهـ. وانظر ما يأتي في فصل الفسخ.
الثاني: قول (خ) أو بما لا يملك كخمر إلخ. هذا إذا لم يتبين أنه خل، أما لو نكحها على قلة خمر مطينة فتبين أنها خل فلا يتحتم الفسخ بل لهما البقاء عليه إن رضياه كما لو نكحها على أنها في العدة فظهر كونها في غيرها، ولمن شاء منهما فسخه لحجته بظهور خلاف المعقود فيه، ولا حجة لها في العدة لأنها حق لله تعالى قاله ابن عرفة عن اللخمي.
وَحَيْثُ دَرْءُ الحَدِّ يَلْحَقُ الوَلَدْ ** في كُلِّ مَا مِنَ النِّكاحِ قَدْ فَسَدْ

(وحيث) ظرف مضمن معنى الشرط منصوب بجوابه (درء الحد) مبتدأ ومضاف إليه والخبر محذوف، والجملة في محل جر بإضافة حيث (يلحق الولد) فعل وفاعل، والجملة مع متعلقها الآتي جواب الشرط (في كل) يتعلق بيلحق (ما) مضاف إليه (من النكاح) يتعلق بصلة ما التي هي (قد فسد) أي يلحق الولد في كل نكاح فاسد حيث درء الحد موجود، والمعنى أن النكاح الفاسد كان متفقاً على فساده كنكاح ذات محرم أو خامسة أو مختلفاً في فساده كالمحرم، والشغار إن درئ فيه الحد عن الزوج بعد علمه في الأوليين ومطلقاً في الأخيرتين لأن الخلاف ولو خارج المذهب يدرأ الحد، فإنه يلحق فيه الولد، ومفهومه أنه إن لم يدرأ فيه الحد لا يلحق الولد به لأنه محض زنا. قالوا إلا في ست مسائل. أشار صاحب المنهج إلى خمس منها بقوله:
ونسب والحد لن يجتمعا ** إلا بزوجات ثلاث فاسمعا

مبتوتة خامسة ومحرم ** وأمتين حرتين فاعلم

فصورة المبتوتة أن يتزوج الرجل المرأة فتلد منه فيقر أنه كان طلقها ثلاثاً، وراجعها قبل زوج وهو عالم بحرمة ذلك، وصورة الخامسة، أن يتزوج الرجل المرأة فيولدها ثم يقر أن له أربع نسوة سواها وأنه تزوجها وهو يعلم حرمة الخامسة وصورة المحرم أن يتزوج امرأة فيولدها ثم يقر إنه كان يعلم حرمتها عليه قبل الوطء بالنسب أو الرضاع أو الصهر أو المؤبد، وصورة إحدى الأمتين أن يشتري الرجل الأمة فيولدها ثم يقر إنها ممن تعتق عليه بالملك، وصورة الأخرى أن يشتري أمة فيولدها ثم يقر بأنه كان عالماً بحريتها حين الوطء وإلى هذه الخمس أشار (خ) بقوله في باب الزنا: أو مملوكة تعتق أو يعلم حريتها أو محرمة بصهر أو خامسة أو مبتوتة إلخ. قالوا: ولا يقتصر على هذه الخمسة بل ضابطه كل حد يثبت بالإقرار ويسقط برجوعه عنه فالنسب ثابت كالأمثلة المذكورة، وقد زيد على المسائل المذكورة من كانت عنده أمة فأولدها ثم أقر إنه غصبها من الغير، ومن اشترى جاريتين بالخيار في إحداهما ثم أقر إنه وطئ إحداهما بعد أن اختار الأخرى، ومن اشترى جارية فوطئها فقال له ربها: ادفع لي ثمنها فأنكر الشراء وقال: إنها عندي وديعة فهذه ثلاث مضمومة للخمس المتقدمة.
تنبيه:
محل اللحوق فيما ذكر إذا لم يثبت علمه بالتحريم قبل نكاحه لها أو وطئه إياها وإلا بأن ثبت ببينة على إقراره أنه عالم به قبل ذلك فهو محض زنا لا يلحق به الولد لأن الولد إنما ألحق به فيما ذكر لكون إقراره بالعلم بالتحريم لا يعمل بالنسبة لنفي الولد لاتهامه على قطع نسبه، وإنما يعمل بالنسبة لحده إن لم يرجع عن إقراره بخلافه إذا ثبت علمه قبل الوطء أو النكاح.
وَللَّتي كَانَ بِهَا اسْتَمتَاعُ ** صَدَاقُهَا لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعُ

(وللتي) موصول (كان بها) خبر كان (استمتاع) اسمها. والجملة من كان وما بعدها صلة والرابط المجرور بالباء (صداقها) مبتدأ واجب التأخير لتلبسه بضمير الخبر الذي هو الموصول المتقدم، والجملة من قوله (ليس لها امتناع) في محل رفع خبر ثان أو في محل نصب حال من الضمير في الخبر، والمعنى أن للزوجة التي دخل بها زوجها في النكاح الفاسد الذي يفسخ ولو بعد الدخول صداقها كاملاً لتقرره بالوطء وإن حرم كما مرّ في قول (خ) وما فسخ بعده فالمسمى الخ فقول الناظم: استمتاع أي بالوطء بدليل قوله: صداقها، ومفهومه أنه إذ لم يقع استمتاع بالوطء بل بما دونه من المقدمات أنه لا يكون لها تمام الصداق وهو كذلك، ولكن تعوض باجتهاد الحاكم (خ) وتعاوض التلذذ بها أي وجوباً كأن يفسخ قبل أو بعد.
والعَقْدُ لِلنِّكَاحِ في السِّرِّ اجْتُنِبْ ** ولوْ بالاسْتِكْتامِ والفَسْخُ يَجِبْ

(والعقد) مبتدأ (للنكاح) يتعلق به وكذا قوله (في السر) وجملة (اجتنب) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ (ولو) شرطية إغيائية (بالاستكتام) يتعلق بمقدر أي: ولو كان السر بالاستكتام وجواب لو محذوف للدلالة عليه، هذا والظاهر أن الواو للحال إذ ليس هناك صورة يوجد فيها نكاح سر بدون استكتام (والفسخ) مبتدأ خبره (يجب) المشهور كما لابن عرفة أن نكاح السر هو ما أمر الشهود حين العقد بكتمه ولو كان الشهود ملء الجامع. اهـ. ولا مفهوم للشهود بل كذلك استكتام غيرهم لقول الباجي إن اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك فهو نكاح سر، وعليه فقول الناظم بالاستكتام أي بالاستكتام للشهود أو لغيرهم فقد حذف المتعلق للعموم، وظاهره كان الاستكتام قبل العقد أو فيه أو بعده، لكن صرح في ضيح بأن الاستكتام بعد العقد غير مضر ويؤمرون بإفشائه. اهـ. وظاهره أيضاً كان للزوج دخل في الاستكتام المذكور أم لا. وليس كذلك بل لابد أن يكون له دخل فيه كما في شراح المتن وظاهر قوله: والفسخ يجب الخ، أنه يفسخ ولو دخل وطال وقيده (خ) مما إذا لم يدخل ويطل فقال: وفسخ موصي وإن يكتم شهود من امرأة أو منزل أو أيام إن لم يدخل ويطل إلخ.
والبُضْعُ بالبُضْعِ هُوَ الشِّغَارُ ** وعَقْدُهُ لَيْسَ لَهُ قَرارُ

(والبضع) مبتدأ (بالبضع) يتعلق بمقدر صفة أي الكائن بالبضع والباء فيه للتعويض أي الفرج عوض الفرج (هو) مبدأ ثان (الشغار) خبر عن الثاني وهو على حذف مضاف أي هو صريح الشغار بدليل قوله: البضع بالبضع أي هو المسمى بما ذكر، والجملة من الثاني وخبره خبر الأول من قولهم شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول أو من قولهم بلدة شاغرة أي خالية من أهلها سمي به هذا النكاح لخلوه من الصداق لأنهما جعلا بضع كل منهما صداق الأخرى فيقول له مثلاً: زوجني أختك أو بنتك على أن أزوجك أختي أو ابنتي أو أمي (وعقده) مبتدأ والجملة من قوله: (ليس له قرار) خبره أي فيفسخ قبل البناء وبعده، وظاهره ولو طال وولدت الأولاد قال: وهو كذلك ولمن وقع الدخول بها منهما صداق المثل، وفهم منه أنه إذا لم يكن بضعاً ببضع بل بالمسمى لكل منهما كزوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بخمسين أو بمائة لا يكون حكمه الفسخ أبداً وهو كذلك بل يفسخ قبله ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل معجلاً ويسمى هذا وجه الشغار، وكذا لو سمي لإحداهما دون الأخرى كقوله: زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بلا مهر فيثبت في المسمى لها بعد الدخول بالأكثر ويفسخ في التي لم يسم لها أبداً، وهذه الصورة مركبة من الصريح والوجه يفهم حكمها من المسألتين قبله وبما قررنا يعلم أنه لا إجمال في النظم وأنه إنما تكلم على الصريح كلاًّ أو بعضاً وغيره لم يتعرض له.
وَأَجَلُ الكالِئ مَهْما أغْفَلاَ ** قبْلَ الْبِنَاءِ الفَسْخُ فِيهِ أُعْمِلاَ

(وأجل الكالئ) مبتدأ ومضاف إليه (مهما) اسم شرط (أغفلا) بالبناء للمفعول فعل الشرط (قبل البناء) يتعلق بأعملا آخر البيت (الفسخ) مبتدأ (فيه) يتعلق بالخبر الذي هو (أعملا) والجملة جواب الشرط وحذف منها الفاء ضرورة على حد قوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها. والجملة من الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول. ثم اعلم أن الكالئ هو المؤخر كان كل الصداق أو بعضه وقوله: أغفلا يحتمل أن يكون معناه ترك، ويحتمل أن يكون معناه أبهم وهو أنصع لأنه يشمل ما إذا لم يتعرض لتحديد أجله أصلاً وما إذا تعرض لتحديده لكن بوقت لا ينضبط كيوم قدوم زيد مثلاً أو قالا إلى أجل ولم يقيداه بقدوم زيد مثلاً ولا بغيره، وظاهره كان عدم التعرض لتحديده قصداً أو نسياناً وهو كذلك على المشهور المعمول به كما في المتيطية والفشتالية وغيرهما لأن النكاح كالبيع، وإذا فسخ فلا صداق، وأما الإرث فثابت لأنه من المختلف فيه كما مرّ، قال في المتيطية: وذكر ابن الهندي عن بعض أهل عصره أنه كان يفتي بعدم فسخه ويجعل له من الأجل نحو ما الناس عليه في أجل الكالئ فإن كان الأمر مختلفاً ضرب له أجلاً متوسطاً قال: يعني بعض أهل عصره ولم أره رواية إلا أن لقائله في ذلك حجة عندي واحتج بمسألة كتاب الخيار من المدونة فيمن باع سلعة على الخيار ولم يوقت للخيار وقتاً أن البيع جائز ويضرب له أجل الخيار في تلك السلعة، وقد شبه مالك رحمه الله النكاح بالبيع قال: والقول بفسخه قبل البناء هو نص الرواية، وعليه أدركت العمل بين الناس. اهـ. وما ذكره ابن الهندي عن بعض أهل عصره نقل المتيطي أيضاً نحوه عن ابن ميسر قائلاً لأن أجل الكالئ متقرر في العرف عندهم فسكوتهما عنه يدل على أنهما دخلا على العرف والعرف سنة محكوم بها قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف} (الأعراف: 199) اه وهذا كله مقابل لنص الرواية وما عليه العمل كما رأيته. وقد جعل الفشتالي ما ذكره ابن الهندي مقابلاً، وكذا ابن عرفة جعله قولاً رابعاً مقابلاً للمشهور، وقد تقدم عن صاحب الفائق عند قوله: وأجل الكوالئ المعينة إلخ. أنه صرح بمقابلته للمشهور، وبهذا تعلم أن ما اعتمده الشارح ومن تبعه من أن ترك التأجيل قصداً هو الموجب للفساد لا النسيان والغفلة لأنهما لا ينبني عليهما حكم لقوله عليه الصلاة والسلام: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) إلخ. مقابل للمشهور المعمول به على أن قوله لا ينبني عليهما حكم إلخ. فيه نظر لأن الحديث في رفع الإثم وهما هنا لا يصدقان في أنهما نسيا أو غفلا في مثل هذا لاتهامهما على إسقاط حق الله تعالى في تعيين الأجل، وأيضاً إذا كانا يحملان على العرف في النسيان والغفلة فأحرى في القصد لأنهما في القصد تركا التعرض للأجل اتكالاً على العرف الجاري عندهم، وبالجملة فما قاله ابن ميسر وابن الهندي عن بعض أهل عصره جار في القصد وغيره كما هو ظاهر نقولهم وهو وإن كان قولاً قوياً في نفسه إذ أفتى به ابن رشد وابن الحاج وابن المكوي أيضاً كما في المعيار فهو مقابل كما رأيته.
تنبيهات:
الأول: قال في المتيطية: سئل اللؤلؤي عن النكاح يغفل فيه عن ذكر الشرط وتاريخ الكالئ، فإذا كان كتب الصداق قال الناكح: لم أرد أن يكتب على شرط وطول في أجل الكالئ، وقال المنكح: إنما غفلنا عن ذلك للعرف الجاري في البلد بالشروط إذ لا يخرج عنها إلا الشاذ وللعرف الجاري في الكالئ بكونه إلى ثلاثة أعوام ولا يعدوه إلا للشاذ أيضاً فهل يحمل الزوج على العرف من ذلك أم لا؟ فأجاب لا يجبر الزوج على ذلك وهو بالخيار إن شاء وافقهم أو وافقوه وإلاَّ فله الانحلال. اهـ. وقوله وهو بالخيار إلخ. مقابل لما مر من لزوم فسخه في الكالئ نعم بالنسبة للشرط هو بالخيار قطعاً.
الثاني: قال في المتيطية أيضاً: وأما إن زوجه بمائة نقداً ومائة إلى بعد ابتنائه بسنة فكرهه ابن القاسم قال: وإن وقع لم أفسخه وذكر أن مالكاً أجازه واختلف في علة الجواز فقال ابن المواز: هو على الحلول إذ للزوجة أن تدعوه للدخول متى شاءت فإذا دعته فمن حينئذ تجب السنة وقيل: معناه إنه يحمل في ذلك على العرف فإذا كان للبناء عندهم وقت معروف حمل عليه ويؤخر بعد ذلك القدر سنة، ويدل لذلك قول مالك: لا يصح بيع التأخير إلا لأجل معلوم إلا ما كان من بيع الأسواق على التقاضي لأنهم قد عرفوا ذلك يقيم أحدهم قدر الشهر وقدر ما عرفوا ثم يتقاضاه مقطعاً إلخ. وهذا التعليل الأخير يقوي ما تقدم عن ابن الهندي وابن ميسر، ثم هذا التنبيه داخل في كلام الناظم على الاحتمال الثاني، ويدخل فيه أيضاً إذا أجل بميسرة الزوج أو إلى أن تطلبه المرأة والحال أن الزوج معدم فيهما (ح) وإلى الدخول أو الميسرة إن كان ملياً إلخ. وتقدم قول ناظم العمل عند قوله: وأجل الكوالئ المعينة إلخ.
الثالث: مما يدخل في كلام الناظم أيضاً التزوج على أن ينفق على ابنها أو عبدها لأن النفقة من جملة الصداق ولا يدري ما إذا يعيش الولد. ابن عرفة: عن المتيطي التزام النفقة في العقد لغير أجل كمهر مجهول. قال ابن القاسم: إن بنى بها سقط الشرط ولها مهر مثلها وإلاَّ فسخ ولو طرحت شرطها. قال: وللزوج الرجوع عليها بها إلى حين فسخ النكاح أو تصحيحه بمهر المثل ثم قال ابن عرفة: وفي كونه أي التزام الإنفاق لأجل، كذلك قول ابن زرب وأبي بكر بن عبد الرحمن قائلاً: لو مات الولد رجعت بنفقته إلخ. فظاهره ترجيح ما لابن زرب لتصديره به.
الرابع: محل كلام الناظم إذا اتفقا على عدم التعرض لذكر الأجل أصلاً أو أجلاه بوقت لا ينضبط كما مر أما إن اتفقا على تأجيله بوقت منضبط واختلفا في قدره فقال في الاستغناء: إن اختلف الزوج والولي في أجل الكالئ وقال الشهود نسيناه فإن كان أجل الكوالئ كلها متعارفاً عندهم وكان لقلة الكوالئ وكثرتها أجل جعل ذلك الكالئ إلى مثل ذلك الأجل، فإن لم يكن عندهم متعارف جعل أجله إلى أكثر ما تحمل عليه الكوالئ إلى مثل ذلك الأجل ويثبت النكاح. نقله ابن سلمون وتبعه (ح) مقتصراً عليه ولما نقله الشارح قال: ذلك واضح إذا ادعى أحدهما الأجل المتعارف، وادعى الآخر أقرب منه أو أبعد لأن مدعي العرف مشبه فإن ادعيا معاً غير المتعارف فإن القول للزوج لأنه غارم كما لابن زرقون ولا يردان إلى المتعارف حينئذ اه باختصار. ثم قال: فلو ادعى الزوج نفي الأجل في مثل صورة الاستغناء ففي نوازل ابن الحاج أنه إن شهدت بينة بأنه ضرب للكالئ أجل ونسوا قدره والزوج ينفي ضرب الأجل ووالد الزوجة يقول: إنه ضرب له كان من باب دعوى الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة منهما اه باختصار.
قلت: ويتفرع على كون القول لمدعي الصحة أن مدعي الفساد إذا أقام شاهداً واحداً على أنه لم يضرب له أجل أو على أنه لموت أو فراق فإن كان المقيم هو الزوجة لم يفسخ النكاح لأن الواحد لا يقبل فيما يوجب الفراق، وإن أقامت شاهدين فسخ وبطل الصداق ولو أقامته بعد البناء حلفت وأخذت الأكثر من المسمى وصداق المثل قاله في المتيطية.
وما يُنَافِي الْعَقْدَ لَيْسَ يُجْعَلْ ** شَرْطاً وَغَيْرُهُ بِطَوْعٍ يُقْبَلْ

(وما) مبتدأ وجملة (ينافي العقد) صلته والرابط الضمير المستتر الفاعل بينافي (ليس) فعل ناقص واسمه ضمير الموصول المذكور (يجعل) بالبناء للمفعول خبر ليس ونائبه ضمير يعود على ما أيضاً وهو مفعوله الأول (شرطاً) مفعوله الثاني، والجملة من ليس وما بعدها خبر المبتدأ والرابط محذوف أي فيه، والمعنى أن الشروط على قسمين ما لا ينافي عقد النكاح وسيأتي وما ينافيه وهو ما هنا، وظاهره كان الشرط من جهتها أو من جهته فإذا شرط أن لا يقسم لها أو يؤثر عليها أو لا نفقة لها أو لها نفقة معلومة في كل شهر أو لا ميراث بينهما أو أن لا يأتيها ليلاً أو لا يعطيها الولد أو شرطت أن الطلاق بيدها أو نفقة ولدها أو نفقة الصغير أو السفيه على الولي أو نفقة العبد على السيد أو شرطت نفقة الكبير الرشيد على غيره أو إعطاء حميل بالنفقة فإن النكاح في ذلك كله يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل وتسقط الحمالة في المسألة الأخيرة وترجع النفقة على الزوج في مسألة اشتراطها على ولي الصغير، وهكذا يسقط الشرط المذكور بعد البناء في جميع ذاك (خ) عاطفاً على ما يفسخ قبل ويثبت بعد ما نصه: أو على شرط يناقض المقصود كأن لا يقسم لها أو يؤثر عليها وألغى إلخ. أي ألغى الشرط المذكور بعد البناء ومحل الفساد في مسألتي الصغير والسفيه ما لم يبينوا أن الولي إن مات أو طرأ عليه دين أو عسر قبل بلوغ الصبي ورشد السفيه كانت على الزوج فإن بينوا ذلك صح اتفاقاً فإن قالوا إن مات الولي أو طرأ عليه ما يمنع الإنفاق فلا تعود على الزوج حتى يبلغ أو يرشد فسد اتفاقاً قاله ابن عرفة عن ابن رشد، وفهم من قوله ليس يجعل شرطاً فيه أنه يجوز شرط ما ينافيه بعده وهو كذلك كما يأتي قريباً.
تنبيه:
لو شرط السيد في تزويجه عبده من أمة غيره أن الولد بينهما فسخ ولو بنى والولد لرب الأمة وكذا لو شرط أن ما تلده حر، سواء كان الزوج حراً أو عبداً كانت الأمة لسيد العبد أو لغيره وما ولدته قبل الفسخ حر وولاءه لسيدها ولو شرط أول ولد تلده حر فكذلك على مذهب ابن القاسم، ويجوز لسيدها بيعها ما لم تحمل فإن حملت بقيت حتى تضع فيعتق الولد وما ولدت بعده من الأولاد رقيق قاله في المتيطية.
(وغيره) مبتدأ (بطوع) يتعلق بالخبر الذي هو (يقبل) أو في محل نصب على الحال من ضمير أي وغير المنافي للعقد كشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يخرجها من بلدها أو لا يتسرى عليها يقبل، ويجوز حال كون كائناً بطواعية من الزوج بعد العقد لا إن اشترط فيه فيكره ولا يلزم على كل حال ولكن يستحب له الوفاء به (خ) وإن أخرجها من بلدها أو تزوج عليها فألفان ولا يلزم الشرط وكره إلخ. وإنما كره اشتراط ذلك في العقد لأن المرأة حطت من صداقها لأجل الشرط، وهذا هو السر في رد المرأة لمهر المثل بعد البناء في الشروط المنافية ثم إن غير المنافي قسمان ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه كالأمثلة المذكورة وما يقتضيه العقد، وإن لم يشترط كشرط أن يقسم لها أو لا يؤثر عليها أو لا يضربها فاشتراط هذا وعدمه سواء، فقول الناظم يقبل أي مع كراهة إن كان ذلك في العقد وبدونها بعده لكن ما كان في العقد لا يوصف بطواعية حقيقة، بل مجازاً لأن المرأة تأبى من العقد حتى يلزم الشرط، وما كان كذلك ليس بطوع. وقوله: يقبل أي يصح وكونه يلزم أو لا يلزم شيء آخر فيه تفصيل، ويحتمل أن يكون معناه يلزم فيحمل حينئذ على ما إذا علق عليه طلاقاً أو عتقاً أو تمليكاً أو نحو ذلك مما يقضى به على الزوج إذا حنث فإن المعلق يلزمه بالمخالفة كشرطه في العقد أو بعده أن لا يخرجها من بيتها وإن أخرجها فهي طالق أو عبده حر أو أمرها بيدها وأن لا يضر بها وإن أضر بها فأمرها بيدها فإن اشترطت مع ذلك أنها مصدقة في الضرر فسد على ما لسحنون إن كان في العقد لدخوله على غرر في بقاء العصمة. ابن عرفة: وفي أعمال شرط تصديقها دون يمين في المغيب والرحيل والضرر أو فيهما دون المغيب نقلاً. ابن عات عن ابن فتحون وابن عبد الغفور: وكان ابن دحون يفتي بإلغاء شرط التصديق في الضرر بعد قوله لا خلاف في أعماله إن لم يكن شرطاً في العقد إلخ. وفي ابن سلمون ما نصه: فإن التزم لها التصديق في الضرر بغير يمين فقال ابن رشد: اختلف في ذلك فروى عن سحنون أنه قال: أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء فإن دخل بها فلا يقبل قولها إلا ببينة على الضرر، وحكي عن ابن دحون أنه كان يفتي بأن ذلك لا يلزم ولا يجوز إلا ببينة ثم قال: ولا خلاف أنه إذا لم يشترط في أصل العقد أنه جائز نافذ. اهـ. وانظر تمام كلامه فيما يأتي في فصل الضرر، وأما إن لم يعلق على ذلك شيئاً أو علق عليه ما لا يقضى به على الزوج إن خالف كقوله: إن أخرجتها من بلدها فلها ألفان فلا شيء عليه بالمخالفة كان في العقد أو بعده، ولهذا إذا اشترطت عليه الماشطة في العقد أن لا يمنعها من الخروج لصنعتها لا يلزمه الوفاء به كما في المعيار وأولى إن اشترطت عليه الخروج لقدوم الحاج أو خروجه، ثم إن علق الطلاق على التزوج عليها أو على التسري فيلزمه في التزوج بمجرد العقد، وإن لم يدخل وفي التسري بالوطء ولو كانت الأمة عنده قبل التعليق وإن علقه على اتخاذ أم الولد فيلزمه بوطء الأمة أيضاً لا بحملها على مذهب ابن القاسم قاله في المتيطية. ثم إن الطواعية بذلك أحسن من اشتراطه في العقد فإن اتفقا على الشرطية فيما يقضي به واختلفا في كونها وقعت في العقد أو بعده ولا بينة فقيل: يحمل على الشرطية في العقد، وقيل على الطواعية بعده وبالأول العمل قال ناظمه:
والشرط في النكاح محمول على ** أنه في أصل العقود جعلا

وفائدة الخلاف أن له أن يناكرها على الطواعية دون الشرطية كما أشار لذلك (خ) فقوله وناكر مخيرة لم يدخل بها ومملكة مطلقاً إلخ. وتظهر أيضاً أنها إذا وقعت واحدة في الطواعية فهي رجيعة وفي الشرطية بائنة كما في ابن سلمون، وتظهر أيضاً فيما إذا التزم نفقة ربيب أو غير ذلك مما ينافي العقد وتنازعا في كونه وقع في العقد أو بعده، فإنه يحمل على الشرط على ما به العمل ويفسخ النكاح إن كان التنازع قبل البناء ويسقط الشرط إن كان بعده.
تنبيهات:
الأول: يحتمل أن يكون الضمير في قول الناظم وغيره عائداً على ما ذكر أي وغير المشترط في العقد مما هو مناف له أو غير المنافي أصلاً أي غيرهما معاً يقبل بطوع بعده فيهما وفي غير المنافي مطلقاً فيستفاد منه بطريق النص أن جميع المنافي للعقد يجوز الطوع به بعده ما عدا قوله: ولا ميراث بينهما فإنه لا يصح فيها ذلك لأنه من إسقاط الشيء قبل وجوبه ولأنه يدخل في الملك جبراً فيصح حينئذ أن يلتزم الزوج نفقة ربيبه أمد الزوجية أو مطلقاً وأن يلتزم الزوج نفقة زوجة غيره وأن يتحمل لها بالنفقة وأن تسقط حقها في القسم، وهكذا فإن طلقت الملتزم لولدها بالنفقة أو التي تطوع لها بطلاق الداخلة عليها ثم راجعها عادت نفقة الولد وعاد الشرط كما يأتي في قوله في الخلع:
وما امرؤ لزوجه يلتزم ** مما زمان عصمة يلتزم

فذا إذا دون الثلاث طلقا ** زال وإن راجع عاد مطلقا

الثاني: ما تقدم من أنها إذا شرطت عليه نفقة ولدها في العقد يفسد النكاح هو الذي في شراح (خ) عند قوله: أو على شرط يناقض المقصود وظاهرهم اشترطت ذلك لمدة معلومة أم لا. وهو الذي لابن زرب وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: إن شرطت ذلك لمدة معلومة جاز ذلك فإن مات الولد رجعت بنفقة بقية الأجل ويلزمه لأنه من صداقها، وإنما تأخذه على حسب ما شرطت قاله في المتيطية. ونقله أوائل الالتزامات وذكر عن ابن رشد أنه الراجح قال: وينبغي حينئذ أن لا يسقط بموت الزوج وأن يحل بموته ويأتي أول الخلع عن البرزلي ما يفيده.
الثالث: على ما تقدم من فسخ النكاح فإن للزوج الرجوع على المرأة بما أنفق بالشرط على ولد، ومن لا تلزمه نفقته من خدمها إلى حين فسخ النكاح أو لتصحيحه بمهر المثل قاله في الالتزامات عن ابن رشد. قلت: وانظر الاضطراب في فهم قول ابن رشد إلى فسخ النكاح أو تصحيحه في نكاح نوازل مازونة.
الرابع: إذا قال لها: إن أخرجتك من بلدك فأمرك بيدك فأخرجها بإذنها فأرادت أن تأخذ بشرطها وتطلق نفسها فقال مالك وأصبغ: ليس لها ذلك. وقال أشهب: لها أن تأخذ بشرطها لأنها إنما أذنت في شيء تملكه، واستحسنه ابن المواز قاله في كتاب الشروط من المتيطية قال: ولو أخرجها بإذنها فردها ثم أراد أن يخرجها فأبت فروى ابن وهب عن مالك: تحلف بالله ما كان خروجي معه أولاً تركاً لشرطي ثم هي على شرطها. وقال بعض العلماء: إذا أذنت له سقط شرطها وهو شاذ اه باختصار.
الخامس: ما تقدم من أن الشرط في النكاح محمول على الشرط في العقد حيث لا بينة كما مر، أما إن كانت هناك بينة بكونه شرطاً أو طوعاً فإنه يعمل عليها ما لم يشهد العرف بضدها، ففي المعيار سئل ابن رشد عما يكتب من الشروط على الطوع والعرف يقتضي شرطيتها، فقال: إذا اقتضى العرف شرطيتها فهي محمولة على ذلك ولا ينظر لكتبها على الطوع إلخ.
قلت: والعرف في زمننا هذا أن التزام نفقة الربيب ونحوها من إمتاع الزوجة زوجها إنما يكون في صلب العقد إذ قل ما تجد التزاماً بالنفقة المذكورة متطوعاً به في نفس الأمر، وإنما الكتاب يكتبونه على الطوع تصحيحاً لوثائقهم وتجدهم يأمرون المتعاقدين بتأخير كتبه إلى يومين أو ثلاثة من عقد النكاح فيجب حينئذ فسخ هذا النكاح إن عثر عليه قبل البناء، ولا تسقط النفقة عن الزوج إن عثر عليه بعده عملاً على ما أفتى به ابن رشد، وأقامه ابن عرفة من المدونة في باب الحمالة. قال ابن ناجي: وبه العمل. اهـ. وقد علمت مما قدمناه أول الكتاب أن قولهم: العمل بكذا مما يرجع القول المعمول به فما قاله ابن رشد هو الحق إن شاء الله تعالى كما يأتي في البيت بعده عن الجزيري والمازري، وقد قال في الفائق: متى ضاق على الموثق المجال ركن إلى التطوع مصوراً في صورة الجائز ما لا يجوز في الحقيقة. اهـ. ومثل هذا يأتي في بيع الثنيا إن شاء الله وأنه متى ثبت رسم الإقالة ولو بصورة التطوع فهو محمول على أنه شرط في نفس العقد كما أفتى به المجاصي وغيره من أهل عصره لأن العرف شاهد بضد المكتوب خلاف ما يأتي للناظم من أن العمل فيها على المكتوب.
ويَفْسُدُ النِّكاحُ بالإِمْتَاعِ في ** عُقْدَتِهِ وَهُوَ عَلَى الطّوْع اقْتُفِي

(ويفسد) بضم السين وفتح الياء مضارع فسد (النكاح) فاعله (بالإمتاع) يتعلق بيفسد (في عقدته) يتعلق بالإمتاع وضميره للنكاح أي يفسد النكاح باشتراط الزوج في صلب العقد أن تمتعه زوجته بموافقة وليها بسكنى دارها أو استغلال أرضها لأن ما يبذله الزوج من الصداق بعضه في مقابلة ذلك وهو مجهول لأنه يستغل إلى الموت والفراق ولا يدري وقتهما قاله المازري. وقال ابن جزي: وقد يستغرق ذلك الصداق فيبقى البضع عارياً عن المهر. قال: وكذا يفسد إن كان الإمتاع لمدة معلومة لأنه نكاح وإجارة، وعليه فيفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل وسيأتي قول الناظم: وشرط كسوة من المحظور للزوج في العقد على المشهور، إلا أن ظاهر كلام الناظم هاهنا أنه يفسد ولو لم يصرحا باشتراطه في العقد، بل وقع الإمتاع في العقد بغير شرط وهو مخالف بهذا الظاهر لقول ابن سلمون ولو سكت عن ذلك في العقد حمل على الطوع الجائز أو العادة إن كانت عادة فالإشارة في قوله عن ذلك تعود على الإمتاع أي سكت عن اشتراطه في العقل بل وقع في العقد على الطوع من غير شرط. هذا ظاهره بدليل قوله: حمل على الطوع فتأمله. وأشار إلى مفهوم قوله في عقدته فقال: (وهو) مبتدأ (على الطوع) يتعلق بالخبر الذي هو (اقتفي) بالبناء للمفعول أي اتبع أي إن وقع ذلك بعد العقد جاز واتبع ذلك ومحل جوازه بالطوع إذا لم تنعقد القلوب والضمائر عليه عند وقت عقد النكاح، أما إن انعقدت الضمائر عليه وقته وعرف ذلك من عادة البلد فإنه يفسخ قبل البناء أيضاً وإن كتب على الطوع إذ لا عبرة حينئذ بالمكتوب لأن الموثق يدلس ذلك ليتوصل لما لا يجوز في صورة الجائز قال معناه المازري حسبما في الشارح، وهو الموافق لما مر عن ابن رشد في البيت قبله. وقال الجزيري: هذا الإمتاع جرت به العادة في الجزيرة الخضراء وغيرها ويجعلون الإمتاع في مال الزوجة على الطوع من وليها أو منها إن كانت مالكة أمر نفسها وهو غير سديد لأن الإمتاع في مقابلة الصداق فيبقى البضع بلا عوض إذ قد يشترطه من لا فقه عنده، فهو وإن كتب على الطوع لإرادة الإمضاء فالضمائر المنعقدة عليه تقوم مقام الشرط عند العلماء. وفي المدونة ما يقتضيه انظر تمامه في اليزناسني إن شئت فهو موافق لما مر عن المازري وابن رشد من أنه لا عبرة بالطوع إن كانت العادة بخلافه.
تنبيهات:
الأول: إذا قلنا بفساد النكاح في الطوع حيث كانت العادة بخلافه فإن النكاح يفسخ قبل ويثبت بعد بمهر المثل بمنزلة المشترط في العقد، وكلام المازري الذي في الشارح صريح في ذلك لأنه من الفاسد لصداقه، وعليه فإذا عثر على ذلك بعد البناء وطالت المدة فإنها ترجع عليه بقيمة ما استغل بعد أن ترد لمهر مثلها على أنه لا إمتاع في نكاحها، والغالب أن مهر المثل حينئذ أقل من المسمى لأن المسمى يرتفع للإمتاع المذكور.
الثاني: إذا قلنا يحمل في الطوع على الشرط حيث جرت العادة به، وأنه لا عبرة بالمكتوب فبأي شيء يتوصل للصورة الجائزة إذ ما من طوع في بلد جرت العادة بخلافه إلا ويقال إنه محمول على الشرط فلا يجد ملتزم الإنفاق للربيب مثلاً أو ملتزم التمتيع ونحوه سبيلاً إلى كتبه على الطوع وإن صح قصده في نفس الأمر هذا مما لم أقف الآن فيه على نص، والظاهر أنه إذا طال ما بين العقد بحيث يظن أن ما أضمراه قد اضمحل واندثر، وأنه فعل ذلك عن اختيار كالشهر ونحوه فإنه لا يحمل على الشرط حينئذ والله أعلم.
الثالث: محل الفساد بالإمتاع إذا كان من مال الزوجة كما مر أما إذا كان من مال وليها أو أجنبي فإنه جائز، وقد روي عن مالك أنه يجوز أن يقول الرجل لآخر: تزوج ابنتي على أن أعطيك مائة دينار نقله الشارح. وفي ابن عرفة سمع سحنون ابن القاسم من أنكح ابنته من رجل على أن أعطاه داراً جاز إنكاحه، ولو قال: تزوج ابنتي بخمسين ديناراً وأعطيك هذه الدار لا خير فيه لأنه من وجه النكاح والبيع ابن رشد: يقوم من قوله جاز نكاحه معنى خفي وهو جواز اجتماع البيع مع نكاح التفويض. اهـ. وهذا معنى قول (خ): أو باجتماعه مع بيع كدار دفعتها هي أو أبوها وجاز من الأب في التفويض.
الرابع: إذا متعت الزوجة زوجها بعد العقد بسكنى دارها بأن أسقطت عنه كراءها مدة الزوجية بينهما ثم اختلعت منه وسكتت عن كراء مسكنها الذي تعتد فيه فقال ابن زرب: يلزمه ذلك لأن من حجة الزوجة أن تقول: لم أسقط ذلك عنه إلا مدة الزوجية، وبه قال ابن عتاب واللخمي قال: لأن بالطلاق خرجت عن المكارمة ولا يلزمها أن تكارمه في المستقبل، وقال أبو عمر الإشبيلي: لا يلزمه ذلك لأن العدة من أسباب الزوجية وبه قال ابن القطان أبو بكر بن بعد الرحمن قال بعض: والأول أقيس. المتيطي: وهو الحق إن شاء الله.